في بلاد الشام وفي أرض معركة اليرموك ، انطلق من جيش المسلمين فارس ملثم راكباً فرسه متجهاً لوحده نحو جيش الروم .
فإذا بهذا الفارس يخترق هذا الجيش الكبير من أولهم إلى آخرهم كالصقر الكاسر ؛ يقاتل فرسان الروم وفي يده اليمنى سيف وفي يده اليسرى سيف آخر ؛ يحارب بالسيفين معاً ، حتى خرج من الجانب الآخر .
ومن الشام إلى مصر ، يتحصن الروم سبعة أشهر في حصن بابليون ، فإذا بهذا الفارس المغامر يتسلق هذا الحصن الضخم حتى أصبح فوق أعلى نقطة فيه .
ثم رفع هذا البطل سيفه وصاح بصوت زلزل الأرض : الله أكبر ! فهرع الروم من هول هذا المنظر .
ثم رمى بنفسه في الحصن فبدأ يضرب بسيفه حتى وصل إلى الباب وفتحه ، وعندها كبر المسلمون ودخلوا الحصن وكان فتح مصر الكبير .
هذه ليست قصص من نسج الخيال بل هي وقائع حقيقية لصحابي جليل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ؛ إنه فارس الإسلام الزبير بن العوام رضي الله عنه .
قال صلى الله عليه وسلم : (إن لكل نبي حواريا ، وإن حواريّ الزبير بن العوام) والحواري هو الناصر والمؤيد .
[صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله].
كان من الأوائل الذين سارعوا إلى الإسلام وأسلم الزبير في ريعان شبابه . الزبير ؛ هو أول من سل سيفاً من أمة محمد دفاعاً عن رسول الإسلام .
فذات يوم سرت إشاعة بأن الرسول قد قتل . فأشهر سيفه ذلك الغلام الصغير الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره ، وأخذ يسير في طرقات مكة المكرمة والناس تنظر إليه بتعجب وتقول : الغلام معه السيف !
حتى إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : سمعت يا رسول الله أنك أُخذت وقتلت ! فقال صلى الله عليه وسلم : فماذا كنت صانعاً ؟ فقال الزبير : جئت لأضرب بسيفي من أخذك . فدعا صلى الله عليه وسلم له ولسيفه .
هو زوج أسماء بنت أبي بكر الملقبة بذات النطاقين . وولدت له عبد الله بن الزبير فكان أول مولود للمسلمين في المدينة .
شهد الزبير مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الغزوات ، لا تفتقده غزوة ولا معركة ؛ وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها ؛ أوسمة تحكي بطولات الزبير وأمجاده .
وفي يوم بدر كان الزبير يقاتل وهو يرتدي عمامة صفراء ، فنزل جيش من الملائكة على هيأته عليهم عمائم صفر ليشاركوا المسلمين القتال على الأرض .
ورزقه الله الشهادة بعد أن حضر معركة الجمل ، فلحقه الغادر عمرو بن جرموز وطعنه وهو بين يدي ربه قائماً يصلي .
ثم ذهب هذا القاتل إلى الإمام علي بن أبي طالب يظن أنه يحمل إليه بشرى . لكن حين علم الإمام علي أن بالباب قاتل الزبير يستأذن صاح آمرا بطرده قائلاً : (بشر قاتل ابن صفية بالنار) .
ولما رأى علي سيف الزبير بكى وقال : (إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
كان الزبير بطلاً إسلامياً حقيقياً ، أولى بنا أن نتعلم بطولاته وندرس سيرته بدلاً من أن نفتتن بأبطال مزيفين ليس لهم مكان إلا في شاشات السينما والقصص الخيالية .
سلام على حواريّ رسول الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق