السبت، 10 يونيو 2017

16 رمضان 1438 هـ - الأئمة الأربعة

الإسلام دين يتناسب مع كل زمان ومكان ، دين فيه سعة يدعو أهل العلم إلى الاجتهاد في إيضاح الحق والتيسير على الناس دون أن تنتقض الأصول والثوابت .
ومع اتساع رقعة الإسلام في البلدان المختلفة ظهرت عند الناس مسائل جديدة كانت بحاجة إلى حكم شرعي .
فأخذ مجموعة من العلماء على عاتقهم محاولة استنباط الأحكام الشرعية على ضوء القرآن والسنة ووفق قواعد فقهية محددة .
وبرز أربعة أئمة اتفقوا على كل الأصول الفقهية ، واختلفوا في الفروع ، فأدى ذلك إلى نشأة المذاهب الأربعة .
المذهب الحنفي (ينسب إلى الإمام أبي حنيفة ، ولد في الكوفة سنة 80 هـ ، وتوفي في بغداد سنة 150 هـ) .
أول الأئمة هو الإمام أبو حنيفة النعمان ؛ فقيه أهل العراق . وكان الحديث في زمانه قليلاً ، وكذلك كان الحديث المكذوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، فكان أبو حنيفة لا يقبل الحديث إلا بشروط ضيقة ولهذا سمي بإمام أهل الرأي (الاجتهاد) .
نشأ مذهبه في العراق ، وهو حالياً مذهب غالبية أهل المشرق : الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا ، ومنتشر بقوة في العراق والشام ومصر .
المذهب المالكي (ينسب إلى الإمام مالك ، ولد في المدينة المنورة سنة 93 هـ ، وتوفي بها سنة 179 هـ) .
وثانيهم هو الإمام مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة . نشأ في المدينة المنورة وكان عالماً في الفقه وإماماً حافظاً من أئمة الحديث ، وضرب بعلمه المثل فقيل : (لا يفتى ومالك بالمدينة) .
وذات يوم مر على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه : (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) .
ويعد كتابه (الموطأ) أول مؤلف في تاريخ الإسلام أسرد فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومسائل العلم ، ومذهبه اليوم هو مذهب معظم أهل المغرب الإسلامي .
المذهب الشافعي (ينسب إلى الإمام الشافعي ، ولد بمدينة غزة سنة 150 هـ ، وتوفي بمصر سنة 204 هـ).
وثالث الأئمة هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، ولد في غزة ثم انتقل إلى مكة وحفظ القرآن فيها . تتلمذ على يد الإمام مالك في المدينة وعلى تلاميذ أبي حنيفة في العراق فجمع بين طريقة أهل الحديث وأهل الرأي .
وكان الشافعي مضرب المثل في ذكائه وقوة ذاكرته وسرعة فهمه . ثم ارتحل إلى مصر ورأى فيها نظماً وعادات تخالف ما رآه في غيرها فوضع بعض الاجتهادات الجديدة ، ومذهبه اليوم منتشر بقوة في مصر وإفريقيا وبلاد الشام .
المذهب الحنبلي (ينسب إلى الإمام أحمد بن حنبل ولد في بغداد سنة 164 هـ ، وتوفي بها سنة 241 هـ).
ورابعهم هو الإمام الحافظ أحمد بن حنبل . يقال اثنان حفظ الله بهما الدين : أبو بكر الصديق يوم الردة ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ؛ فقد وقف كالطود الشامخ أمام فتنة خلق القرآن التي نشرتها المعتزلة .
تتلمذ على يد الإمام الشافعي ، وكان من أكثر الناس حفظاً للحديث ومعرفة برواياته وألفاظه . ومذهبه اليوم هو المذهب السائد في الجزيرة العربية وعند بعض أهل الشام ومصر .
قال الشافعي : (الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة) .
وقال أحمد : (مالك سيد من سادات العلم ، وهو إمام في الحديث والفقه) .
وقال أحمد : (كان الشافعي كالشمس للدنيا ، وكالعافية للناس) .
وقال الشافعي : (خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد) .
انظروا إلى جمال الإسلام ، فعلى الرغم من اختلاف هؤلاء الأربعة الكبار في آرائهم إلا أن روح الحب والأخوة كانت قائمة بينهم ، فضربوا بذلك أروع صور التعايش بين أصحاب الأفكار المتنوعة .
عاش اليهود والنصارى بمختلف طوائفهم بكل سلام وطمأنينة في كنف دولة الإسلام .
بينما كان ملوك أوروبا يفرضون على شعوبهم اتباع نفس المذهب الذي يتبعه الملك ، ومن خالف ذلك فمصيره القتل أو النفي .
فالحمد لله على نعمة الإسلام الذي علم الدنيا فن التعايش السلمي بين أصحاب الآراء المختلفة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق