الأحد، 11 يونيو 2017

17 رمضان 1438 هـ - البخاري

كان الإمام إسحاق بن راهويه يلقي درسه عن حديث رسول الله ، فقال لطلابه : (لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم) ، ثم أكمل درسه .
ظلت هذه الجملة راسخة في ذهن فتى ممن حضر الدرس ، وعزم أن يقوم هو بهذه المهمة ؛ مهمة تدوين الحديث الصحيح .
إنه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري . ولد في بخارى إحدى مدن أوزبكستان الآن ، ونشأ يتيماً في حجر أمه التي قامت بتربيته أحسن تربية .
كان البخاري قد فقد بصره بعد ولادته ، لكن لم تقطع الأم الصالحة صلتها بالله ، فكانت تتودد إليه ليل نهار ؛ تدعوه سبحانه أن يرد بصر ولدها إليه .
وفي ليلة رأت في المنام الخليل إبراهيم عليه السلام فقال لها : (يا هذه ، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة دعائك) . فنهضت مسرعة إلى فلذة كبدها الصغير ، لتجد أن الله مجيب الدعوات قد رد إليه بصره .
ثم أخذت تدفع به إلى حلق العلم ، فحفظ كتاب الله وهو دون العاشرة ، ثم بدأ يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما بلغ سن السادسة عشرة خرجت به هذه الأم المباركة إلى مكة للحج ، ثم تركته في أرض الحرمين الشريفين ينهل من معينها ويتعلم فيها .
وكان البخاري يحضر إلى درس شيوخه يسمع ولا يكتب ، فأقبل إليه زملائه فسخروا منه وعايروه بأنه لا يكتب شيئاً ، فقال لهم : اعرضوا علي ما كتبتم .
فقام يراجع الأحاديث التي كتبوها حديثاً حديثاً . فراجع لهم 15000 حديث عن ظهر قلب بمتونها وأسانيدها ، وهم يطابقون صحتها ويصوبون ما سجلوا في كتبهم .
كان البخاري يقول : (لا أعلم شيئاً أنفع للحفظ من نهمة الرجل ، ومداومة النظر) والنهمة هي الرغبة في الشيء ، ومداومة النظر هي التكرار .
ثم صار يلقي الدروس ويعقد مجالس للحديث ، واشتهر بعفة لسانه وكان يحتاط في ألفاظه ؛ خشية أن تكتب عليه غيبة . فلم يكن يتلفظ بعبارات مثل : فلان كذاب ، بل كان يستبدلها ويقول : منكر الحديث ، فيه نظر ، سكتوا عنه .
ثم بدأت رحلة كتابة الحديث الصحيح وبدأ يجمع أحاديث الرسول ، وكان يتحرى ممن يأخذ الحديث وقبل أن يقبل الرواية ، ولم يضع حديثاً في كتابه إلا عمل به .
وكان البخاري يعظم حديث رسول الله فما كان يكتب حديثاً إلا بعد أن يغتسل ثم يصلي ركعتين ، ويستخير رب العالمين .
وكان يراجعه مرة بعد أخرى ، ويقوم أحياناً ليلاً فيوقد السراج ويصنف حديثاً ثم ينام ، ثم يستيقظ فجأة فيقوم ويصنف حديثاً ثم يعود وينام ؛ يفعل ذلك في الليلة الواحدة من 15 إلى 20 مرة .
واستغرقت هذه الرحلة ستة عشر عاماً ، فخرج إلينا بكتابه الجامع الصحيح ، فيه ما يزيد عن 7000 حديث صحيح ، اختارها البخاري من بين 600000 حديث . وقد استحسنه شيوخه بعد أن عرضه عليهم ، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل .
صحيح البخاري هو أول كتاب مجرد للحديث الصحيح ؛ وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى .
لقد سخر الله عز وجل عبده البخاري ليقوم بمهمة تدوين السنة الشريفة كي تصل ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها إلي وإليك .
فرحم الله البخاري إمام السنة وحافظ حديث النبي ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق