الاثنين، 12 يونيو 2017

18 رمضان 1438 هـ - هارون الرشيد

قدم إلينا هارون الرشيد في حكايات «ألف ليلة وليلة» في صورة الأمير شارب الخمر المولع بالجواري ، لكن هل هذه هي الحقيقة ؟
لقد نسجت هذه القصص الكاذبة لتشويه صورة هذا البطل المسلم ؛ الحاكم الذي أرعب الروم وأحنوا رؤوسهم له رهبة منه ، العابد الذي كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا .
كان هارون الرشيد شجاعاً محباً للفروسية منذ صغره ، وكان يقود الحملات الحربية في عهد أبيه .
وعندما تولى خلافة الدولة العباسية ؛ هذه الدولة الممتدة من وسط آسيا حتى المحيط الأطلسي كان عمره 25 سنة .
قاد الخليفة الشاب هذه الأرض الواسعة فملأها عدلاً واستتب الأمن وكثر الخير .
كان الرشيد يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم .
وكان محباً مكرماً للعلماء يسمع منهم المواعظ ويبكي عند الذكر .
ورحل الخليفة الرشيد حتى وصل عند الإمام مالك وجلس بين يديه طلباً للعلم .
يقول الإمام أبو معاوية الضرير : صب علي يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه ، فقال لي : تدري من يصب عليك ؟ قلت : لا ، قال : أنا الرشيد .
وازدهرت البلاد في عهده ، فبنى المساجد الكبيرة ، وأسس في بغداد المكتبة الأسطورية (بيت الحكمة) وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات ، وخصصت فيها قاعات للدروس والمحاضرات .
فغدت بغداد تستقطب العلماء والفقهاء وطلاب العلم من شتى أنحاء الأرض ، حتى سمي عهده بالعصر الذهبي .
كان الرشيد كثير الحج والجهاد ، وكان يحج عاماً ، ويغزو عاماً . وإذا ذهب إلى الحج أخذ معه الفقهاء وأبنائهم ، وإذا لم يحج بعث بثلاثمائة رجل ليحجوا على نفقته الخاصة .
واضطرت إمبراطورية الروم في عهد الرشيد إلى طلب الهدنة أمام هجماته المتلاحقة ، فعقدت ملكة الروم معه صلحاً مقابل دفع الجزية السنوية .
فقام متمرد اسمه نقفور بالاستيلاء على الحكم ونقض المعاهدة ، وبعث برسالة وقحة إلى الرشيد جاء فيها :
(من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب ، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ ، فحملت إليك من أموالها ، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك وإلا فالحرب بيننا وبينك) .
وما إن فرغ هارون الرشيد من قراءة تلك الرسالة حتى احمر وجهه الأبيض ، فتناول الرسالة وكتب على ظهرها :
(من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه) .
فانطلق هذا الصقر المسلم بنفسه بجيش ما عرفت الأرض مثله حتى وصل إلى هرقلة فألحق به هزيمة منكرة .
فأسرع نقفور إلى الرشيد يتوسل لطلب الهدنة بعد أن صار يناديه بأمير المؤمنين ، وأطلق سراح جميع الأسرى فلم يتبقى مسلم في الأسر .
ولما نزل الموت بالخليفة هارون أمر أن يأتوا بجنوده إليه كي يراهم . فلما جاءوا لا يكاد يحصي عددهم إلا الله بكى ثم رفع بصره إلى السماء وقال : (يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه) .
مات الرشيد أثناء غزوه الروم . وروي عن الفضيل بن عياض أنه قال : (ما من نفس تموت أشد علي موتاً من أمير المؤمنين هارون ، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق