الخميس، 8 يونيو 2017

13 رمضان 1438 هـ - عبد الله بن سعد بن أبي السرح

قال صلى الله عليه وسلم : (إن القلوب بين اصبعين من أصابع الله ، يقلبها كيف يشاء) [الألباني ؛ حسن على شرط مسلم].
ما سمي القلب قلباً إلا من كثرة تقلبه ، فتارة على حال وتارة على حال أخرى .
ونجمنا اليوم تقلب حاله من الكفر إلى الإيمان ، ثم اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون كاتباً للوحي ، ثم ارتد ، ثم أسلم ثانية ، ثم فاضت روحه وهو في أعظم العبادات .
إنه الصحابي الجليل عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، أسلم قبل صلح الحديبية وكان من القلة الذين يحسنون الكتابة فاختاره صلى الله عليه وسلم أن يكون من كتاب الوحي .
لكن نفسه ضعفت وأزله الشيطان فارتد عن الإسلام ورجع إلى قريش .
وفي سنة 8 للهجرة كان فتح مكة ، فندم عبد الله وتوسط له عثمان بن عفان رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل الرسول شفاعته وعفا عنه ، فأسلم عبد الله من جديد وحسن إسلامه .
وكان عبد الله يفر من النبي خجلاً كلما رأه ، فأخبر عثمان النبي بذلك ، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال : (أولم أبايعه وأؤمنه ؟) . فقال : (بلى ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام) . فقال صلى الله عليه وسلم : (الإسلام يجب ما كان قبله) .
فطالما أن العبد تاب ورجع إلى الله فإنه سبحانه يقبل توبته ويعفو عنه ، وإن الله يحب التوابين .
شارك عبد الله في الفتوحات الإسلامية ، وكان قائد الميمنة في فتح مصر في جيش عمرو بن العاص . ثم أصبح والياً على مصر . ووصلت فتوحات المسلمين إلى ليبيا ، ثم فتحت تونس والتي كانت تسمى بإفريقية ، ثم توجه جنوباً ففتح فتوحاً عظيمة في بلاد النوبة والسودان .
ومع تساقط قلاع الدولة البيزنطية تحت ضربات المسلمين ، قرر الروم خوض معركة مصيرية للقضاء نهائياً على الإسلام ، وقرر إمبراطور الروم قسطنطين أن يقود بنفسه أسطولاً بحرياً مكوناً من 1000 سفينة .
عندها قاد القائد عبد الله الأسطول الإسلامي الناشئ والمكون من مائتي سفينة فقط ، ليخوض مع أسطوله تجربة القتال في البحر أمام الإمبراطورية البيزنطية سيدة البحر المتوسط لمئات السنين .
وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون .
ولما صلى المسلمون الفجر بدأت معركة ذات الصواري ؛ المعركة الحاسمة ، وبدأ التراشق بالسهام ، ثم أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم كثيراً حتى لامست سفنهم سفن عدوهم .
ثم نزل الأبطال إلى الماء وربطوا سفنهم بسفن الروم بحبال متينة ، فبدأ القتال بالسيوف ، واستشهد من المسلمين الكثير وقتل من الروم ما لا يحصى .
وكاد الإمبراطور قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين لكنه فر هارباً والجراحات تملئ جسده . فكتب الله النصر للمسلمين وانتهت أسطورة بحر الروم إلى الأبد .
قال صلى الله عليه وسلم : (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله) فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : (يوفقه لعمل صالح قبل الموت) [صحيح الترمذي : الألباني].
في ليلة من الليالي ؛ قال عبد الله لمن حوله : أصبحتم ؟ قالوا : لا . قال : إني لأجد برد الصبح . ثم قال : اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح .
فتوضأ ثم صلى الفجر ، فصلى الركعة الأولى ثم الركعة الثانية ، ثم تشهد فسلم عن يمينه ، ثم توفاه الله عز وجل قبل أن يسلم عن يساره .
توفي وهو يصلي وسيبعث يوم القيامة وهو يصلي وهو في تشهده . رزقه الله بخاتمة حسنة ؛ وصدق مع الله في توبته فصدقه الله عز وجل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق