الثلاثاء، 13 يونيو 2017

19 رمضان 1438 هـ - عبد الرحمن الناصر

احتفلت دولة إسبانيا في سنة 1961 م بمناسبة مرور ألف سنة ميلادية على وفاة أعظم ملوك إسبانيا على مر العصور ؛ إنه القائد المسلم عبد الرحمن الناصر لدين الله .
لقد سادت حالة من التمزق الرهيب في الفترة التي سبقت حكمه ، فلم يكن يرغب أحد في تولي الإمارة هرباً من الوضع المزري الذي وصلت إليه ، وكانت تلك فرصة سانحة أمام قوات الروم لغزو الأندلس .
تولى عبد الرحمن الناصر الإمارة سنة 300 هـ وكانت عنده ثقة بالله بأنه يستطيع أن يغير حال البلاد .
تمكن الأمير الشاب الذي لم يتجاوز الواحدة والعشرين من عمره أن يسيطر على التمردات الداخلية . ثم قاد بنفسه حملات عسكرية إلى الروم ولم يزل يقاتلهم حتى دانت له ملوكها ، وتمكن من تحقيق الأمن والاستقرار .
كانت البلاد في عهد الناصر تعيش في رخاء منقطع النظير ، فكثرت الأموال ، ونمت الزراعة وتنوعت الفواكه ، وازهردت الصناعات الحديثة كصناعة الجلود والسفن والأدوية .
واتسع نطاق الخدمات والعلاج المجاني وظهرت المستشفيات لأول مرة في أوروبا .
ونشر الناصر العدل في أرجاء الأندلس وتعددت العرقيات البشرية التي سكنت الأندلس من مسلمين ويهود ونصارى ومن عرب وبربر وإفرنج .
واتسعت مدينة قرطبة في عهده ، وبني فيها 3000 مسجد .
وأطلق على قرطبة في ذلك العصر اسم (جوهرة العالم) ؛ فقد كانت أول مدينة في العالم تنار كل شوارعها ليلاً فكانت كالجوهرة المضيئة في ظلمات أوروبا الغارقة في الجهل والظلام .
وازدهر في عهده العلم والتعليم ، وقد اهتم كثيراً بمكتبة قرطبة حتى بلغ عدد الكتب فيها 400000 كتاب في زمن لم تظهر فيه الطباعة بعد ، ما دفع ملوك أوروبا لإرسال البعثات العلمية إلى الأندلس لدراسة سبل النهضة الحضارية هناك .
وأنشأ الناصر مدينة الزهراء التي اعتبرت أجمل مدينة في العالم ، وبنى فيها المسجد الجامع وشيد قصر الزهراء الذي كان آية في الفخامة ، فأقبل الناس يأتون من أقطار أوروبا ليشاهدوا هذا القصر العظيم .
وأصبحت الأندلس في عهده مركز العالم الإسلامي ، وإحدى القوى العظمى في العالم . وتأكيداً لقوة الأندلس في المنطقة أعلن عبد الرحمن الناصر عن قيام الخلافة الأندلسية سنة 316 هـ .
وذاع صيت الخليفة الأندلسي في الدنيا كلها وجاءت وفود ملوك أوروبا من كل حدب وصوب لكسب ود الخليفة .
وأقبلت رسل الإمبراطور قسطنطين السابع محملين بالهدايا الثمينة إلى خليفة المسلمين في الأندلس ، فانبهروا بما رأوا من جمال الزخرفة في قصر قرطبة .
كان الناصر ورعاً تقياً دائم الذكر لربه سريع الرجوع إليه ، وذات مرة حدث قحط شديد في الأندلس ، فلبس ثوباً خشناً وتذلل لربه وبكى واستغفر وقال : (هذه ناصيتي بيدك ، لا تعذب الرعية بي ، لن يفوتك شيء مني) .
قضى عبد الرحمن الناصر العامين الأخيرين من حياته في صراع مع المرض ، وتوفي في رمضان سنة 350 هـ بعد أن أمضى 50 عاماً في حكم الأندلس .
وقد وجدوا في خزانته ورقة كان قد كتبها بخط يده ، عد فيها الأيام التي صفت له دون كدر ، فوجدوها أربعة عشر يوماً فقط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق