في يوم من الأيام دخل صبي صغير عند والده الذي كان يملك اصطبلاً كي يشاهد الخيول .
وفجأة ضرب فرس وجه هذا الصبي فشجه . فقام أبوه يمسح الدم عنه ثم قال له : (إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد !) .
لماذا تفائل والد الفتى عندما رأى هذا الأمر ؟
كان الفاروق عمر بن الخطاب قد أخبر الناس برؤيا تكررت عليه في منامه : (إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً) .
هذا الفتى هو حفيد الفاروق ، فجدته لأمه هي المرأة الهلالية صاحبة الموقف الأشهر عندما سمعها عمر ليلاً تأبى أن تستجيب لطلب أمها بأن تغش اللبن ، فزوجها الفاروق عمر لابنه عاصم .
إنه العادل الزاهد عمر بن عبد العزيز . نشأ في المدينة المنورة وكان محباً للعلم متبعاً للسنة ، وكان من أشياخه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب .
وسمع من أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أثنى على عمر كثيراً فقال : (ما صليت خلف أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى) .
قال الإمام أحمد بن حنبل : (يروى في الحديث ؛ إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز) . [إسناده صحيح : الألباني في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة].
تولى إمارة المدينة وراح الأمير الشاب ينشر العدل بين رعيته فأحبه الناس . وكون مجلس شورى من عشرة من فقهاء المدينة ، وأقر أنهم أصحاب الحق في اتخاذ أي قرار فما كان يقطع أمراً إلا برأيهم .
ولما توفي الخليفة سليمان بن عبد الملك أوصى بالخلافة إلى عمر بن عبد العزيز . فثقل الأمر عليه ثم قام أمام الناس فقال : (أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم) .
فصاح الناس صيحة واحدة : (قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك) . فتولى الخلافة ، وفتحت زخارف الدنيا كلها أمامه فماذا فعل الخليفة الجديد ؟
بدأ أولاً بنفسه ودعا زوجته فاطمة ابنة الخليفة عبد الملك بن مروان فقال لها : (يا فاطمة ، إما أن تختاري الذهب والجواهر ومتاع الدنيا ، وإما أن تختاري عمر بن عبد العزيز) . فماذا قالت فاطمة ؟
والله لا أختار عليك أحدًا يا أمير المؤمنين ، فأمر بالحلي فحمل إلى بيت مال المسلمين . فتركت سيدة القصور الحياة المترفة واختارت حياة الزهد لتعيشها مع زوجها .
ثم قام برد المظالم إلى أهلها ، وعزل جميع الولاة الظالمين . وكان يؤدي المهور من بيت مال المسلمين لمن لم يستطع توفير ذلك ، وكان ينفق على الذمي إذا كبر ولم يكن له مال .
وعندما بسط العدل ووصلت الحقوق إلى أهلها استغنى الناس وصار الرجل يأتي بالمال العظيم كي يتصدق به فلا يجد من يعطيه فيرجع بماله .
وخاف عمر من ضياع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاطه بالمكذوب وذهاب العلماء فأصدر أمراً إلى الأئمة الثقات بتدوين الحديث الشريف وجمع سنن الرسول .
تمتع الخليفة عمر بسمعة طيبة تجاوزت حدود دولة الإسلام ، وعندما وصل نبأ موت الخليفة عمر إلى إمبراطور الروم بكى بكاءً شديدًا وقال : (مات رجل عادل ، ليس لعدله مثيل . عجبت لمن أتته الدنيا منقادة ، حتى صارت في يده ثم تخلى عنها) .
رحم الله عمر بن عبد العزيز ؛ أقبلت عليه الدنيا فأعرض عنها رغبةً في النعيم المقيم بجوار رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق