الأحد، 4 يونيو 2017

10 رمضان 1438 هـ - عبد الله بن عباس

أمضى عبد الله بن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات ، لازمه فيها حتى غدا كظله ، فكان يعد له ماء الوضوء ، ويصلي خلفه إذا وقف للصلاة ، ويكون رديفه على راحلته إذا عزم على السفر .
ولما رأى نجابة ابن عباس وحرصه على العلم دعا له صلى الله عليه وسلم : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) .
[صحيح ابن حبان].
حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم 1660 حديثاً ، ولما توفي صلى الله عليه وسلم كان عمره لا يزيد عن ثلاث عشرة سنة ، لكن هل اكتفى عند هذا الحد في طلب العلم ؟
عندما توفي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لصاحب له في مثل سنه : (تعال نتعلم من أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير) .
فضحك منه صاحبه ثم قال : (واعجباً لك يا ابن عباس ، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى ؟) . فترك ذلك الفتى العلم ، وأقبل ابن عباس على سؤال الصحابة والتعلم منهم .
فكان ابن عباس إذا سمع أن هناك حديثاً عند رجل منهم انطلق مسرعاً إلى بيت هذا الصحابي ، ليفرد رداءه على الرمل وينتظر خروجه عند بيته .
فيخرج الصحابي فيرى ابن عباس وقد غلبه النوم وقد سَفَّت الريح على وجهه التراب ، فيمسح التراب عن وجهه ويقول : (يا ابن عم رسول الله ، ألا أرسلت إلي فآتيك ؟) .
فيقول ابن عباس بأدب طالب العلم : أنا أحق أن آتيك فأسأل .
وفي يوم رأى ابن عباس الصحابي والعالم الجليل زيد بن ثابت راكباً دابته ، فأمسك بزمام دابته وصار يقوده كما يفعل العبد مع سيده . فقال له زيد : (دع عنك يا ابن عم رسول الله) . فقال ابن عباس : (هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا) .
فقال له زيد : (أرني يدك) فناوله ابن عباس يده ليصافحه فقبلها زيد وقال : (هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا) .
وبمرور الأيام بدأ يسطع نجم ابن عباس في الأفق ، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحرص على مشورته في كل أمر كبير ، فكان يجلس هذا الشاب اليافع مع كبار الصحابة .
وكان يقول عنه : (ذلك فتى الكهول ؛ له لسان سؤول وقلب عقول) .
وولاه الخليفة عثمان إمامة الحج ، فرجع القوم يتحدثون عن علمه وفقهه وأنه أقرب الناس اتباعاً لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأرسله الإمام علي إلى الخوارج فقد جاءوا بأمور لم تكن معروفة من قبل ، فذهب إليهم ليوضح لهم الحق ويكشف عنهم الشبهة ، فكانوا يسألوه ويجيبهم ، فرجع منهم عشرون ألفاً اقتنعوا بحديثه وصدقوا كلامه وبقي منهم أربعة آلاف .
ما أحوج المسلمين اليوم إلى علماء أمثال ابن عباس ، كي يقارعوا أهل الباطل ويكشفوا عن شبهاتهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وفي الأمة بقية خير .
العلم نور لصاحبه ، والإنسان الغير متعلم يعيش في ظلام فهو همج رعاع ، يتبع كل ناعق ويميل مع كل ريح .
وصار طلاب العلم يأتون إليه من كل مكان فتزدحم الطرق المؤدية إلى بيته ؛ يسألونه عن القرآن ويسألون عن التفسير وعن الحلال والحرام والفقه .
ومرت الأيام والسنين حتى رآه صاحبه الذي رفض العلم وقد أحاط الناس به من كل اتجاه يريدون التعلم منه ، فقال في حسرة : (كان هذا الفتى أعقل مني !) .
لقد رفع الله عز وجل ابن عباس حتى أصبح بحق حبراً للأمة وترجماناً للقرآن ، وصار شعلة علم للمسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . كل ذلك بفضل الله ثم بفضل حرصه ومثابرته على طلب العلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق