الجمعة، 22 مايو 2020

الحلقة 30 | عباد الرحمن |


الحلقة 30 | عباد الرحمن |

إن لله عبادٌ شرفهم بأن نسبهم إليه ، عبادٌ اصطفاهم وخصهم إليه من بين الخلق فأضافهم إليه إضافةً علت بها منزلتُهم وبماذا سماهم ؟ عباد الرحمن ، أضافهم لاسمه الرحمن فهم أهلٌ لرحمة الله . إنهم عبادٌ استنارت قلوبُهم بالإسلام فاستجابوا لله وانقادوا لنبيه واستمسكوا بأخلاق القرآن ، يؤدون ما أمر الله به ويجتنبون ما نهى عنه . فيا لها من منزلة أن يكون العبدُ من أولئك المُصْطَفَين . وإذا تأملنا ما أعد الرحمن لعباده لرجونا أن نكون كلنا منهم .

الرحمن يحفظ عباده من الشيطان الرجيم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) الرحمن يلطف بهم (الله لطيف بعباده) الرحمن يكون قريباً منهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) الرحمن يغفر ذنوبهم ويرحمُهم (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) الرحمن يقبل توبتهم (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) الرحمن يؤمنُهم يوم الفزع الأكبر (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الرحمن يدخلهم الجنة ويؤتيهم فيها نعيماً ليس مثله شيء (أعددت لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر) [متفق عليه].

الحلقة 29 | وعد الرحمن |


الحلقة 29 | وعد الرحمن |

وفد الرحمن وهل هناك أجمل من وفد ذاهب إلى الرحمن (يوم نحشرُ المتقينَ إلى الرحمنِ وفداً) فيفد المتقون مكرمون إلى الرحمن للفوز بعطاياه ، وهذا وعد الرحمن (يبشرُهُم ربُهُم برحمةٍ منهُ ورضوانٍ وجناتٍ لهمْ فيها نعيمٌ مقيم)
وما أن يدخلوا الجنة فيستقبلهم الملائكة بالتهنئة (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)

خالدون في الجنة يتمتعون بالنعيم ويعيشون في جوار أرحم الراحمين (وأما الذين ابيضت وجوهُهُم ففي رحمةِ اللهِ هم فيها خالدون)

(إنه كان وعده مأتياً) وهنا يتحقق وعد الرحمن الذي وعده لعباده بالغيب وهم في الدنيا قبل أن يروها (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) الجنة التي أعدها الرحمن لعباده لهم فيها ما يشاءون ، لا تتمنى شيئاً في الجنة إلا حققه الله لك (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون)

قال صلى الله عليه وسلم : (إذا دَخَلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ يقولُ اللهُ تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزِيدُكُم ؟ فيقولون : ألم تُبَيضْ وُجُوهَنا ؟ ألم تُدْخِلنا الجنةَ وتُنَجِنا من النار ؟) وكان أعلى ما يتأملون أن يدخلوا الجنة ولم يتخيلوا وجود شيء أفضل من ذلك ولكن الرحمن أفضاله لا تنتهي . قال : فيَكْشِفُ الحجابَ فما أُعْطُوا شيئاً أحبَ إليهم من النظرِ إلى ربهم تبارك وتعالى) [صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي]. يا الله يا رحمن نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم .

الحلقة 28 | يتغمدني الله منه برحمة |


الحلقة 28 | يتغمدني الله منه برحمة |

إن الأصل في الجنة أن لا يدخلها العبد إلا بفضل الله ورحمته ، فرحمة الله هي الموصلة إلى الجنة وهي المنجية من النار . قال صلى الله عليه وسلم : (سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدْخِلَ الجنةَ أحداً عملُهُ)

فسددوا أي الزموا الاستقامة واطلبوا الصواب والسداد في أعمالكم ولا تفرطوا ،
وقاربوا ؛ أي لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتكم ،
ثم قال (وأبشروا) وهنا لم يذكر صلى الله عليه وسلم ما هي البِشارة بل أطلقها لتتناول كل فضل من الرحمن ،
ثم قال : (فإنه لن يُدْخِلَ الجنة أحداً عملُهُ) فتعجب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة) [رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة]. ويتغمدني أي يسترني ويغمرني برحمة منه . فأبشروا برحمة الرحمن .

وهذا لا يعني أن العمل لا قيمة له ، فإن المسلمين إذا دخلوا الجنة برحمة أرحم الراحمين يكون التفاوت بينهم بحسب أعمالهم ، فالجنة درجات ومنازل ، والأعمال هي المؤهلة لهذه المنازل فعلى قدر أعمالهم يكون التفاوت بينهم .
(وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) [سورة الزخرف : 72].
على المسلم ألا يُعْجَب بعمله ويغتر به فيفقد رحمة الله به ، وألا ييئس من رحمة الله فيقلل العمل فيوجب عذاب الله عليه . بل يحسن العمل ويرجو رحمة الله . إن العمل لا يكون إلا بتوفيق من الله ، فالذي دلك على العمل ووفقك لأدائه والذي سيتقبله منك ويجزيك عليه الأجر هو الله وهذا كله من رحمته . يا رحمن تغمدنا برحمتك وفضلك .

الثلاثاء، 19 مايو 2020

الحلقة 27 | أرحم الراحمين |

من رحمة الله بعباده في يوم القيامة أن جعل الشفاعةَ لمن شاء من خلقه ، فعندما ينجي اللهُ المؤمنين من النار ويؤذنُ لهم بدخول الجنة ، فإنهم يناشدون اللهَ أن يخرجَ إخوانَهم من النار ويدخلوا معهم الجنة ، فيقولون : (ربنا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا) وكلمة (معنا) تظهر أثرَ الصحبةِ الصالحةِ في هذا اليوم .

فيرضى الرحمنُ بشفاعتهم فيقول : (اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم) . فيأتونهم فيعرفونهم من وجوههم ، فيخرجون منها بشراً كثيراً . ثم يقول الرحمن : (أخرجوا من كان في قلبه مثقالُ دينارٍ من الإيمان) فيخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقول : (ارجعوا ، فأخرجوا من كان في قلبه مثقالُ نِصْفِ دينار) فيخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقول : (أخرجوا من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان) فيخرجون خلقاً كثيراً ، فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير ، فيقول الرحمن : (شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء ، وشفع المؤمنون ، وبقي أرحمُ الراحمين) .

ترى ما هي الرحمة التي خبأها أرحمُ الراحمين ؟ فيقبض سبحانه قبضةً من النار ناساً لم يعملوا لله خيراً قط ، قد احترقوا حتى صاروا حِمماً ، فيلقى بهم في نهر بالجنة يقال له (ماءُ الحياة) ، فيَنْبُتُون فيَخْرُجُون كاللؤلؤِ وفي أعناقهم الخَاتَمُ (عتقاءُ الله) ، فيقال لهم : (ادخلوا الجنة ، فما تمنيتم ورأيتم من شيء فهو لكم ومثلُه معه) ، فيقول أهل الجنة : (هؤلاء عتقاءُ الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عَمِلُوه ولا خير قدمُوه) ، فيقولون : (ربنا أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين) وهذا ظنهم من عظيم ما أعطاهم الرحمن ، فيقول : (فإن لكم عندي أفضلَ منه) فيقولون : (ربَّنا ! وما أفضلُ من ذلك ؟) فيقول : (رضائِي عنكم ، فلا أسخطُ عليكم أبداً) [رواه البخاري ومسلم بنحوه]. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة .

الحلقة 27 | أرحم الراحمين |


الاثنين، 18 مايو 2020

الحلقة 26 | وخشعت الأصوات للرحمن |


الحلقة 26 | وخشعت الأصوات للرحمن |

في يوم القيامة ينادي المنادي ليقوم الناسُ من قبورهم (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) أي إلى شيء عظيم غيرِ مألوفٍ تتفاجأ به النفوس من أهوال هذا اليوم (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث) أي من القبور .
يكون الناسُ أولَ مبعثهم كالفراش المبثوث يخرجون حيرى لا يدرون أين يتجهون ، ثم ينتظمون (كأنهم جراد منتشر) بوجود الداعي أمامهم يتقدم الناس ، والخلق جميعاً يتبعه (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له) لا يحيدون ولا ينحرفون عنه (مهطعين إلى الداع) أي مسرعين إليه (يقول الكافرون هذا يوم عسر) فيعترفون يومها بأنه يومٌ عسير (على الكافرين غير يسير) . لكن ترى ما هو حال المؤمنون في هذا اليوم ؟

أما المؤمنون فحالهم (من جاء بالحسنةِ فله خيرٌ منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون) ثم تسكن الأصوات (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً) تسكن الأصوات كلها هيبة وإجلالاً للرحمن لا تسمع إلا صوت وقع الأقدام ، وبالرغم من أنه موطن العظمةِ والجبروتِ في يوم الحشر ، اختار لفظ (الرحمن) ؛ جاء بالرحمة في مقام تنخلع فيه القلوب ، سبحانه ما أرحمه ؛ سبقت رحمتُه غضبَه .

الملك يومئذ الحق للرحمن (يومئذ لا تنفع الشفاعةُ إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً) فلا يشفع أحد من الخلق إلا بإذن الرحمن ، (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) . ويتجلى كرم الرحمن في قبول شفاعة من أذن له أن يشفع وكان له قول يرضي ، وما هو هذا القول المرضي ؟ قال ابن عباس : لا إله إلا الله .

الأحد، 17 مايو 2020

الحلقة 25 | لن نعدم من رب يضحك خيراً |


الحلقة 25 | لن نعدم من رب يضحك خيراً |

دخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سكرات الموت فسأله : كيف تجد قلبك ؟ قال : والله يا رسول الله إني أرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلى الله عليه وسلم : (لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثلِ هذا الموطن إلا أعطاه اللهُ ما يرجو وأمَّنَهُ مما يخاف) [حديث حسن في صحيح الترمذي عن أنس بن مالك - المحدث : الألباني].
إن الثقة بربنا الرحمن تجعل الإنسان متعلقاً بالله يتوكل عليه في كل شأنه يدعوه واثقاً بالإجابة . قال الله تبارك وتعالى : (أنا عندَ ظنِ عبدي بي فليظن بي ما شاء) [حديث صحيح - الألباني عن وائلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة]. فمن ظن بالله خيراً فله ومن ظن به سوى ذلك فله (فما ظنكم برب العالمين) ومن كرمه أن يعطي أكثر مما فُعِل من أجله ، ففي الحديث من تقرب إلي شبراً تقربتُ إليه ذراعاً .
قال ابن القيم رحمه الله : (ما أغلق الله على عبد باباً بحكمته إلا فتح له بابين برحمته) إذا منعت عن شيءٍ تحبه وتريده فالله سبحانه يعد لك برحمته ما هو أنفع لك بطريقة لم تتوقعها أبداً .
قال صلى الله عليه وسلم : (ضَحِكَ ربُنا من قنوط عباده وقُرْبِ غِيَرِهِ) / (وقنوط عباده) أي إذا اشتد البلاء وظنوا أن الأمر قد انقطع (وقُرْبِ غِيَرِه) أي مع اقتراب الفرج يغير الله حالهم إلى سعة ورخاء / فسأل صحابي : أوَ يضحكُ الربُ ؟ قال صلى الله عليه وسلم : نعم . فقال : (لن نَعْدِمَ من ربٍ يضحَكُ خيراً) [حديث حسن - المحدث : الألباني في صحيح ابن ماجه عن أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر].
فوالله إن القلب ليفرح ويستبشر بإن لربنا صفة الضحك صفة تليق بجلاله ، وضحك الرحمن يجعل قلوبنا مطمئنة بأن يكفينا همومنا ، ويزداد يقيننا برحمته التي وسعت كل شيء . 

السبت، 16 مايو 2020

الحلقة 24 | من خشي الرحمن بالغيب |


الحلقة 24 | من خشي الرحمن بالغيب |

قال صلى الله عليه وسلم : (لو يعلَمُ المؤمنُ ما عندَ اللهِ من العُقُوبَةِ ما طمع بجنته أحدٌ ، ولو يعلمُ الكافرُ ما عندَ اللهِ من الرحمةِ ما قَنَطَ من جنتهِ أحد) [رواه مسلم]. المؤمن يعيش بين حالين : الخوف والرجاء ، يرجو رحمة الله ويخاف عقوبة الله . وصف الرحمن عباده (يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) يعملون الطاعات خوفاً ألا تقبل منهم ، لا يغترون برحمة الله فيأمنوا عذابه .
(نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم) ، أما العبد الذي يرتكب المعاصي ويجترح السيئات ثم يتكل على رحمة الله ويقول إن الله غفور رحيم ، ثم ينسى مراقبة الله وأنه شديد العقاب ويأمن عذابه ، فهذا يعرض نفسه لخطر العقوبة بسبب ذنوبه . فالإنسان الذي يرجو رحمة الله يعمل لها بفعل الطاعات وترك المنكرات .
نحن نفرُ من كل شيء نخاف منه ، إلا الله فإننا نخاف منه فنلجأ إليه ، فأي أمان هذا ؟ وأي راحة نلقاها في وقوفنا بين يديه .
إن من صفة عباد الرحمن خشية الله تعالى ؛ يتحرون في أعمالهم وأقوالهم ما يرضي الله ويتجنبون ما يغضبه . (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) اختار سبحانه اسم الرحمن ولم يقل من خشي الجبار أو القهار ، لأن الخشية هنا مغلفة بالرحمة والحب والتعظيم لله ؛ يخافونه سراً وعلانيةً ، يخشون أن تفوتهم رحمة الرحمن فأقبلوا إليه بقلب منيب يرجون رضاه فكان جزاؤهم أن ادخلوا الجنة بسلام .

الجمعة، 15 مايو 2020

الحلقة 23 | إن رحمة الله قريب من المحسنين |


الحلقة 23 | إن رحمة الله قريب من المحسنين |

إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، الإحسان له حالان ؛ الأول أن تحسنَ عبادةَ الله ، وهو أن تعبد اللهَ كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (وأحسن كما أحسن الله إليك) وكما أحسن الله إلينا فهو يحب أن نحسن إلى خلقه ، وهذا هو الحال الثاني (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) والإحسان للخلق أن يبدأهم بالمعروف لا يرجو منهم ثواباً لا يريد بذلك إلا وجهَ الله . يحسن للقريب والبعيد بالقليل والكثير للمحسن والمسيء إليه ، وكلما أحسن الإنسان عبادته واستحضر عظمة ربه وأحسن إلى خلقه ، كان أقرب إلى رحمة الله (إن رحمة الله قريب من المحسنين) أحسن فإن الله تعالى قال في سورة الرحمن (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) .

الإسلام دين الرحمة قائم على طاعة الحق والإحسان إلى الخلق ، إن الإحسانَ إلى الناس والعفوَ عنهم والتجاوزَ عن معسرِهم من أعظم أسباب النجاة . إن رجلاً لم يعمل خيراً قط وكان يداين الناس ، فإذا جاء وقت جمع الديون أرسل عامله فقال له : (خذ ما تيسر واترُك ما عَسُرَ وتجاوزْ لعل الله يتجاوزُ عنا) ، فلما مات قال الله تعالى : (هل عَمِلْتَ خيراً قط ؟) قال : لا ، إلا أنه كان لي غلام ، وكنت أداين الناس فإذا بعثْتُه يتقاضى ويقبض الدين قلت له : (خذ ما تيسر واترك ما عَسُر وتجاوز ، لعل الله يتجاوز عنا) . قال الرحمن : (قد تجاوزْتُ عنك)
[حديث صحيح أخرجه البخاري باختلاف يسير] .

الخميس، 14 مايو 2020

الحلقة 22 | وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون |


الحلقة 22 | وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون |

إذا فتحت مصحفك وتأملت كلام الله لوجدت أن أولى آيات القرآن بدأت بالاستعانة (إياك نعبد وإياك نستعين) وختم القرآن بالاستعانة (قل هو الله أحد * الله الصمد) والصمد الذي يلجأ إليه في الشدائد وتستعين به الخلائق في حاجاتها . وكلمة أعوذ في المعوذتين أي ألجأ وأستعين بالله . وبينهما آيات وقصص تتحدث عن طلب العون والمساعدة من الرحمن (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون)

إن الاستعانة بالرحمن في الأزمات هو سلاح المؤمن ، من استعان بالله صار في عين الله ورعايته ينصر المظلوم وينجي عباده (فأنجيناه والذين معه برحمة منا) أتدري بمن استعان يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت ؟ قال صلى الله عليه وسلم : (دعوةُ ذي النونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب الله له) [حديث صحيح في صحيح الترمذي عن سعد بن أبي وقاص - المحدث : الألباني].

عندما تتلو (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن الله تعالى يقول : هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . جاء في الحديث (من لم يسألِ الله يغضب عليه) [حديث صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد - المحدث : الألباني] إن علامة الإنسان المستغني عن عون الرحمن ألا يسأل الله شيئاً ، الإنسان ضعيف من دون الله لا يملك من أمره شيئاً إلا بعون الله . إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، في الطاعة وفي طلب رزقك وعلى تحمل البلاء . كان صلى الله عليه وسلم يوصي معاذاً أن يقول دبُرِ كلِ صلاة (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) إذا شعرت بانك وحيد وقست عليك قلوب الناس فتذكر أن الرحمن قريب منك فاستعن بالله .

الأربعاء، 13 مايو 2020

الحلقة 21 | عفو الرحمن |


الحلقة 21 | عفو الرحمن |

من عظيم فضل الرحمن على عباده أن منحهم مواسم عظيمة يجزيهم في يوم منها ما يجزي في أشهرٍ وسنين .
لقد أكرم الله هذه الأمة بليلة في العشر الأواخر من رمضان جعل العبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر ، ليلة تضاعف فيها الحسنات وتمحى فيها السيئات ، أُنزِلَ أعظم كتاب في هذه الليلة المباركة القرآن ، إنها ليلة القدر .
قال صلى الله عليه وسلم : (من قام ليلةَ القَدْرِ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) [رواه البخاري].

ليلة القدر هي هدية الرحمن لعباده الصائمين القائمين في رمضان ، هي ليلة العبادة والدعاء وطلب الحاجات ممن بيده خزائن السماوات والأرض . اصطفاها الرحمن من بين ليالي السنة بالخير والرحمات ، ولا يُحْرَمُ خيرُها إلا محروم ، والخاسر هو من يَخْلِطُ هذه الليلة العظيمة بدنس المعاصي . فلماذا نضيع فرصة العُمُر ؟

قالت أم المؤمنين عائشة : يا رسول الله أرأيتَ إن علِمْتُ ليلةَ القدرِ ما أقول فيها ؟ قال : قولي : (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [إسناده صحيح المحدث الألباني].
الرحمن وسعت رحمته كل شيء ومن رحمته أن هيء لنا هذه الليلة كي يعفو ويتجاوز عنا . يعلم ضعفنا ويسامحنا عليه . سبحانه عفو يحب العفو ويحب أن يعفو عن خلقه فهم تركوا المعاصي لأجله ، لا يرد عبداً رفع يديه يدعوه صفراً خائبتين . وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ؛ يمحوها كأنها لم تكن . فأبشر إن أدركتها قائماً ساجداً لله .

الثلاثاء، 12 مايو 2020

الحلقة 20 | من لا يرحم لا يرحم |


الحلقة 20 | من لا يرحم لا يرحم |

بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابِه جاء إليه حفيدُه الحسن بن علي فقبله ، فقال رجل ممن عنده : (إن لي عَشَرَةً مِنَ الولَدِ ما قبَّلْتُ منهم أحداً) فنظر إليه النبي ثم قال : (من لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ) [رواه البخاري عن أبي هريرة]. إن رحمةَ الأبناء الصغار والرأفةَ بهم وإسعادَ نفوسهم هو من شكر نعمة الله فكم من متمني نعمة الأبناء . إن الجزاء من جنس العمل فأيُ خير تقدمه سيرده الله لك وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان . وفي المقابل من لا يرحم لا يرحم إن أسوأ ما يسلب ممن حول الشخص هو شعورهم بالأمان ؛ يعيشون معه في خوف دائم من بطشه وإن فقد الرحمة نذيرٌ بأن هذا الإنسان لن يرحمه الله .

قال صلى الله عليه وسلم : (إن شرَ الناسِ عند اللهِ منزِلةً يومَ القيامةِ من تركه الناسُ اتِقاءَ شره) [صحيح البخاري].
إن من يعتدي على حقوق إخوته أو يقسو على الناس أو يذلَهم أو يوقفَهم في صف طويل تحت الشمس أو يضربَهم قد نزعت من قلبه الرحمة ولا تنزعُ الرحمةُ إلا من شَقِي ، قال صلى الله عليه وسلم : (صِنفانِ من أهلِ النارِ لم أرهُما) أحدهما (قومٌ معهُمْ سِياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُون بها الناس) [رواه مسلم].
وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يترك مجلسه حتى يدعو : (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا) [رواه الترمذي وحسنه الألباني]

على المرء أن يحاسب نفسه كيف هي رحمتُه مع الخلق ، وألا يكثر الكلام بغير ذكر الله فإنه قسوة للقلب .
شكا رجل قسوة قلبه إلى النبي فقال صلى الله عليه وسلم : (أتحبُ أن يلينَ قلبُك وتدرِكَ حاجتَك ؟ ارحمِ اليتيمَ وامسحْ رأسَه وأطعِمْه من طعامِك ، يلنْ قلبُك وتُدْرِكْ حاجتَك) [حديث صحيح صحيح الجامع - المحدث : الألباني عن أبي الدرداء].

الاثنين، 11 مايو 2020

الحلقة 19 | كتب على نفسه الرحمة |


الحلقة 19 | كتب على نفسه الرحمة |

جاء المؤمنون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتونه عن ذنوب أصابوها يسألون عن مصيرِهم ، هل لنا من توبة ؟ أتدري كيف أمر الرحمن نبيه أن يستقبلهم ؟ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) [سورة الأنعام : 54].

(سلام عليكم) أمره أن يلقاهم بالتحية وأنهم صاروا بعد توبتهم في سلام وأمان : وبشرهم برحمة الله الواسعة فسبحانه كتب على نفسه الرحمة وألزم نفسه الشريفة بذلك تكرماً على عباده . فما أعظم رحمة الرحمن ؛ ينفتح بابُ الأمل أمام العبد ، متى ما تاب تاب الله عليه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
إن فرحة الرحمن برجوع عبده إليه تائباً نادماً أشد من فرحة رجل تَاهَ في صحراء خالية فقد ناقته وعليها طعامه ومتاعه وتيقن من الهلاك ، فإذا بناقته ترجع إليه فيفرح بها .

قال صلى الله عليه وسلم : (إن اللهَ يُدْنِي المؤمنَ فيضعُ عليه كَنَفَهُ ويستُرُهُ /سبحانه الرحمن يقرب عبده المؤمن إليه في يوم القيامة فيكلمه سراً ويستره عن رؤية الخلق له/ فيقول : أتعرفُ ذنْبَ كذا ، أتعرف ذنبِ كذا ؟ فيقولُ نعمْ أيْ ربِ . حتى إذا قرَّرَهُ بذنوبِهِ ورأى في نفسِهِ أنه هَلَكَ قال : (سترْتُها عليكَ في الدنيا وأنا أغفِرُها لكَ اليومَ ، فيعطى كِتَابَ حسناتِهِ) [صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر].

الأحد، 10 مايو 2020

الحلقة 18 | الراحمون يرحمهم الرحمن |


الحلقة 18 | الراحمون يرحمهم الرحمن |

قال صلى الله عليه وسلم : (الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمُكم من في السماء) [رواه الترمذي وصححه الألباني].
الرحمة صفة الرحمن وحظ العبد من اسم (الرحمن) أن يتحلى بالرحمة ، أن يكون رحيم القلب ، يرحم جميع خلق الله في الأرض على اختلاف أعمارهم وأحوالهم . يرحم المرضى والضعفاء ويرحم الأطفال والشيوخ ويرحم الأرامل والأيتام ويرحم الفقراء والمساكين . قال صلى الله عليه وسلم : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا) [حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد]. فيعطي الصغير حقه من الرفق واللطف ، ويعطي الكبير حقه من التعظيم والإكرام .

قال صلى الله عليه وسلم : (حُرِمَ على النارِ كُلٌ هينٍ لَينٍ سهلٍ قريبٍ من الناس) [صحيح الجامع - الألباني - عن أبي هريرة وابن مسعود].
أي تصبح النار محرمةً عليه معافىً منها فلا يدخلها .

إن مفهوم الرحمة ليس أن يرحم الناس فقط ،  بل أن يكون رحيماً بالخلق كافة ، حتى الحيوانات ، فلا يعذبها أو يكلفها ما لا تطيق ، وعلى عِظَمِ قدر الإنسان وتكريمه على كثير من الخلق إلا إنه قد يدخل النار في إساءة يرتَكِبُها مع الحيوان ، فقد دخلتِ النارَ امرأةٌ في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها ، وفي المقابل غفر الله لرجلٍ رأى كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فرق له فسقاه ، وفي كل كبِدٍ رطْبَةٍ أجر . فكن رحيماً لطيفاً مع كل شيء يتنفس .
قال صلى الله عليه وسلم : (ارْحمُوا تُرحَمُوا واغْفِرُوا ُيغْفَر لكُم)
[حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمرو].

السبت، 9 مايو 2020

الحلقة 17 | ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت |


الحلقة 17 | ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت |

تروي لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في ليلة من الليالي قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يا عائشة ذَرِينِي أتعبدُ لربي) قالت : (واللهِ إني أُحبُ قُرْبَك وأحبُ ما يَسُرُك) فقام يصلي فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجْرَهُ ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لِحْيَتَهُ ثم بكى حتى بلَّ الأرض . فجاء بلالُ يُؤْذِنَه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكونُ عبداً شكوراً ! ما لي لا أبكي وقد نَزَلَتْ عليَّ الليلةَ آية ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها . ترى ما هي الآية التي أبكتِ النبي ولم يستطعِ النومَ الليلَ كُلَهُ وهو يتدبرُها ويتفكرُ فيها ؟
(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) [سورة آل عمران : 190 – حديث حسن المحدث الألباني عن أم المؤمنين عائشة].  * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)

أولو الألباب هم أصحاب العقول الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ، يستشعرون عظمة خلق الرحمن (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) [سورة الملك : 3]. أي من شقوق وعيوب ثم قال : (ثم ارجع البصر كرتين) ليس معناه مرتين ، بل مرة بعد مرة لن تستطيع أن ترى أي خلل ؛ هذه الدقة المتناهية من عظيم ملك الرحمن . إن التفكر في نعم الله من أعظم العبادة ، الشمس والقمر الليل والنهار الأرض والجبال الأشجار والبحار والدواب وأي شيء يقع عليه بصرنا وحتى أجسامنا من بديع خلق الرحمن ومن سَعَة رحمة الرحمن بنا .

الجمعة، 8 مايو 2020

الحلقة 16 | تخفيف من ربكم ورحمة |


الحلقة 16 | تخفيف من ربكم ورحمة |

الله رحيم بعباده لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لا يلزمهم فوق طاقتهم ولا يريد لعبد من عباده تعباً ولا إرهاقاً (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) . الإسلام دين الرحمن مبني على اليسر والرحمة ومراعاة أحوال الناس (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) .

فشرع للمريض أن يصلي حسب استطاعته ، وللمسافر أن يجمع ويقصر الصلوات ، ولهما الرخصة في صوم رمضان . وأباح التيمم لمن لم يستطع استعمال الماء . وأوجب الزكاة بنسبة قليلة ويسيرة بالنظر إلى كل ما يملكه المزكي إذا حال عليه الحول مرة واحدة في السنة . وفرض الحج مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً .

تأمل رحمة الرحمن قال صلى الله عليه وسلم : (خُذُوا من الأعمالِ ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحَبَ الأعمال إلى الله ما دام وإن قل) [رواه البخاري]. تأمل رحمة الرحمن قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) [صحيح الجامع - المحدث : الألباني عن عبد الله بن عباس]. ومن مظاهر رحمته وتخفيفه بعباده النسيان هذه النعمة اليسيرة التي وهبها للإنسان كي يتعدى بها همومه وينسى أحزانه وتستمر حياته .

وإذا كان من عادتك أن تصلي النوافل أو تقوم الليل ، فانشغلت يوماً بمرض أو سفر ولم تستطع أن تأتي بما اعتدت عليه فإن كرم الرحمن يتجلى بأن يكتب لك أجرك كاملاً كأنك قدمته .
قال صلى الله عليه وسلم : (إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعملُ مُقيماً صحيحاً) [رواه البخاري].

الخميس، 7 مايو 2020

الحلقة 15 | لا تقنطوا من رحمة الله |


الحلقة 15 | لا تقنطوا من رحمة الله |

شاب أسرف بفعل المعاصي وارتكاب المحظورات ، ثم يدعى ليصلي فيقول : بماذا تفيدني الصلاة ؟ قد أذنبت كثيراً ، أذنب وأتوب وأعود للذنب ثم أتوب وأعود للذنب وأتوب ، لكن إلى متى سيصبر الله على سوء فعلي ؟ لقد يأست من كثرة ما أذنبت وسأترك الصلاة . انتبه ؛ هذا هو كيد الشيطان يريد أن ييأس الإنسان من رحمة الرحيم الرحمن . لكن انظر لنداء الرحمن :

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) . نادى الرحمن من أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي بأجملِ وصفٍ وهو (يا عبادي) ، وكلمة عبد إذا نسبت للرحمن فهي تشريف ، سبحانه يخبر من عصاه بأنكم ما زلتم عبادي ، عباد الرحمن .

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) ، لا تقنطوا ، فالقنوط هو اليأس من الخير ، ومن رحمته أن أمهل العبد ويسر له باب التوبة . الله الرحمن ينتظر من عبده الرجوع والعودة ، سبحانه يغفر الذنوب جميعاً ، صغيرها وكبيرها سرها وعلانيتها ، مهما عظم الذنب وكبر فإنه يتلاشى في جنب مغفرة الله ورحمته . فلماذا يحجب الإنسان نفسه عن هذا العطاء ويجعل بينه وبين التوبة حاجزاً وهمياً ؟

جاء في الحديث : (لو يعلمُ الكافرُ بكل الذي عندَ اللهِ منَ الرحمةِ لم ييئسْ من الجنة) أي لم يستبعد في نفسه دخولها .

الأربعاء، 6 مايو 2020

الحلقة 14 | كورونا .. رحمة ؟ |


الحلقة 14 | كورونا .. رحمة ؟ |

هل ما أصاب البشرية من انتشار وباء كورونا عقوبةٌ من الله فعلاً ؟ إن هذا تألي على الله فقد يكون لنا في هذه الأزمة خير ونحن لا نعلم لأن كل ما يحدث هو بأمر الله ، وما يقضيه الرحمن هو عين الرحمة . ولكن هل المرض رحمة ؟

سألت أم المؤمنين عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال : (أنَّه كان عذاباً يبْعَثُهُ اللهُ على من يَشَاءُ فجَعَلَهُ اللهُ رحمةً للمؤمنينَ ، فليسَ مِن عَبْدٍ يَقَعُ الطاعُونُ فَيَمْكُثُ في بَلَدِهِ صابراً يَعْلَمُ أَنَّه لنْ يُصِيبَهُ إلا ما كَتَبَ اللهُ له ، إلا كانَ له مِثْلُ أجْرِ الشَّهِيد) [رواه البخاري].

إن وباء كورونا من رحمة الله بنا وفي هذا الوقت العصيب تتجلى الحقائق ، فالتجأتِ البشريةُ جمعاء بعد أن شعرت بضعفها إلى الله يرجون رحمته وأنهم مهما أوتوا من قوة وقدرة فإنهم لا يخرجون عن قدرة الله . وتيقنوا بأن نعمة الصحة والعافية والستر هي أعلى درجات الرزق . وانصرف الناس عن المحرمات من ربا وقمار وظلم وسفك دماء . وانتشر هديه صلى الله عليه وسلم في الطهارة والنظافة الشخصية والحجر الصحي وكتبت الصحف العالمية بذلك . وازدادت أبحاث العلماء والمفكرين للوصول إلى الدواء وما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواءً وابتعدت الأرواح عن الإلحاد وعادت إلى خالقها منكسرة بين يديه يدعونه دعاء المضطر أن يكشف البلاء أليس كل هذا من رحمة الله ؟
إن هذه الجائحة وإن كانت مؤذية إلا أنها تحمل في طياتها رحمات ونعم لا تعد ولا تحصى ، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وكلنا يقين بأن الرحمن الذي كتب على نفسه الرحمة يستحيل أن يكون بنا إلا رحيماً (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون)

ولا ننسى جهود الأيادي الرحيمة من الأطباء والممرضين المتأهبة في واجهة الصفوف لمواجهة هذه الجائحة بقلوب مليئة بالشجاعة والرحمة . فرضت عليهم طبيعة عملهم الابتعاد عن أهاليهم وأبنائهم يغامرون بصحتهم في سبيل إنقاذ المصابين ، يعملون في نوبات طويلة ويفترشون طرقات المستشفيات لأخذ قِسْط من الراحة ، يا رحمن ارحمنا برحمتك وأزل عنا الوباء .

الثلاثاء، 5 مايو 2020

الحلقة 13 | ورحمة ربك خير مما يجمعون |


الحلقة 13 | ورحمة ربك خير مما يجمعون |

انشغلت عنكم بمتابعة أخبار الأحباء ، تتزاحم علينا الأشغال والواجبات ، ويمضي نهارنا بين عمل والتزامات وأهل وأصدقاء وزوجة وأولاد ، وكلما هممت أن أَمسك مصحفي توافدت أشغالي ، وتمضي الساعات حتى ينقضي يومي فأقول : لعلي غداً أجد وقتاً لقراءة القرآن ، وأنام متعباً .
أرى تقصيري مع كتاب الله لكني أهدئ نفسي فأقول : ربي أعلم بحالي ، فلست مشغولاً بلهو وباطل بل بطاعة وعمل . وتمر الأيام وأقول كل يوم سوف أقرأ القرآن .

وذات يوم أوقفتني آية في سورة المزمل تبين حالنا وانشغالنا عن القرآن . (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله)  قد علمت يا الله حالنا وأشغالنا ومرضنا وأسفارنا فبماذا توصينا يا رحمن ؟ (فاقرؤوا ما تيسر منه) [سورة المزمل : 20] ، سبحانه يأذن لنا أن نقْصُرَ الصلاة ونجمعَها وأن نفْطُرَ في رمضان ، لكن ألا ننقَطِعَ عن تلاوة آيات القرآن . فاقرؤوا ما تيسر منه فما هو عذرنا ؟

خَجِلْتُ أن أجدَ وقتاً لكل هذه الأشغال ولا ألزمُ نفسي بتلاوة ورد القرآن . فلا ننتظر أن ننهيَ أعمالَنا لنوفرَ وقتاً للقرآن ، بل لنبدأ بالقرآن يكرمنا الله ببركة في أوقاتنا وأعمالنا ، وكلما تزاحمت أشغالنا ولا ندري أيها خير لنا ، نتذكر قول الرحمن : (ورحمة ربك خير مما يجمعون) .

الاثنين، 4 مايو 2020

الحلقة 12 | رحماء بينهم |


الحلقة 12 | رحماء بينهم |

(إنما المؤمنون إخوة) هذا عقد عقده الله بين المؤمنين في القرآن ، لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة آخى بين المسلمين ووثق بينهم روابط الألفة والمحبة ، فجعل المهاجرين الذين خرجوا طاعة لله وتركوا بيوتهم وأموالهم في سبيل الله إخوة للأنصار ، وما أجمل وصف الأنصار في القرآن ؛ (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) ، ثم الصفة التي تميزوا بها (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أي شدة الحاجة . (رحماءُ بينهم) هذه الكلمة تشعر بأن التراحم قد انتشر بين المسلمين ، يشيعُ بينَهم الود والرحمةُ ؛ يحب أحدهم لأخيه ما يحبه لنفسه ، وإنما يرحمُ اللهُ من عبادِه الرحماء .

ما أجمل وصف المؤمنين (ترى المؤمنين في تَرَاحُمِهم وتَوَادِهِم وتَعَاطُفِهِم ، كَمَثَلِ الجَسَدِ ، إذا اشتكى عُضْواً ، تداعى له سائرُ جَسَدِهِ بالسهر والحمى) [رواه البخاري].

المؤمنون متراحمون متحابون ومتعاطفون كالجسد الواحد ، إذا اشتكى مؤمن إذا تألم إذا مرض إذا كان عليه دين إذا شق عليه أمر وقف أخوه بجانبه . إن أحب الناس إلى الله أنْفَعُهم للناس وأحبُ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسلم أو تَكْشِفُ عنه كُربةً أو تَقْضِي عنه ديناً أو تطْرُدُ عنه جُوعاً ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يُثْبِتَها له أثْبَتَ الله تعالى قَدَمَه على الصراط يومَ تَزِلُ الأقدام .

الأحد، 3 مايو 2020

الحلقة 11 | رحمة للعالمين |


الحلقة 11 | رحمة للعالمين |

عندما اشتدَ أذى المشركينَ على النبي صلى الله عليه وسلم ، شق ذلك على الصحابة الكرام وطلبوا منه أن يدعوَ عليهم فيُكَفُ أذاهم عنه فقالوا : (ادع على المشركين) ، فبماذا أجابهم صلى الله عليه وسلم ؟ قال : (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) [صحيح مسلم عن أبي هريرة] . ومعنى لعاناً أي لو دعا عليهم لأبعدوا عن رحمة الله .

إنه الرحمة المهداة ، زينه الرحمن بالرحمة ، بعثه الله رحمة للخلائق عامة إنسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) . كان أرحم الناس بالناس ، والرحمة هي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم تفارقه قط طوال سيرته ، في كل مراحل حياته ، فهو القائل : (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) [صحيح البخاري عن أنس بن مالك].
هو رحْمةٌ حتى على الكافِرينَ ؛ فإنَّهم لا يُعذَّبون وهو بينهم كما قال تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [سورة الأنفال : 33].

ولو كان على غير هذه الصفة ، فكان فظاً متشدداً - وحاشاه صلى الله عليه وسلم - لكان هذا أدعى للتفرقة ولما قامت لأمته قائمة : (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) . لم تقتصر رحمته على البشر بل امتدت حتى للحيوان والجمادات ، قد وهبه الرحمن قلبا رحيماً يرقُ للضعيف ويحنُ على المسكين ويلاطفُ الصغير ويلينُ الكلام للكبير ، ويعطفُ على الخلق أجمعين .

السبت، 2 مايو 2020

الحلقة 10 | من الذي يتألى علي ؟ |


الحلقة 10 | من الذي يتألى علي ؟ |

كان رجلانِ في بني إسرائيلَ متوَاخِيَينِ ومتصادقين ، فكان أحدهما يذنب ويقع في المعاصي ، والآخر مجتهدٌ في العبادة ، وكان المجتهد كلما رأى الآخر على الذنب قال له : أقصر أي انته عن الذنوب .
وفي يوم وجد المجتهد صديقه على ذنب فقال له : أقصر . فقال المذنب : خلِّني وربي ، أَبُعثْتَ عليَّ رقيباً ؟ فغضب المجتهد وقال : (والله ، لا يغفر الله لك ، ولا يُدْخِلكَ الله الجنة !) . فلما قبَضَ الله أرواحهما اجتمعا عند رب العالمين ، فقال الله عز وجل للمجتهد : (أكنتَ بي عالماً ، أوَ كنتَ على ما في يدَيَّ قادراً ؟) وفي رواية أخرى : (أتستطيعُ أن تَحظُرَ على عبدي رحمتي ؟) ، فقال الرحمن للمذنب : (اذهب فادخل الجنة برحمتي) ، وقال للآخر : (اذهبوا به إلى النار) .

وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال : (والله لا يَغْفِرُ الله لفلان) ، فقال سبحانه : (من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أَغْفِرَ لفلان ، فإني قد غَفَرْتُ لفلانٍ وأحبَطْتُ عَمَلَك) [رواه مسلم]. ومعنى يتألى علي : أي يحلفُ باسمه تعالى أنه لا يغفر لفلان .

لقد غضب الله على هذا الرجل لأنه ضيق رحمة الله الواسعة ولم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ، واستكبر على عباد الله .
إن الحكم بدخول أحد الجنة أو النار حق خالص لله تعالى ، لا يجوز لأحد أن يقول لآخر أنت في الجنة أو يقول له أنت في النار . فالله سبحانه رحمن رحيم غفور ، كثير المغفرة ، يغفر الذنوب جميعاً ، الناس يملون والله لا يمل من المغفرة .

الجمعة، 1 مايو 2020

الحلقة 09 | رحمتي سبقت غضبي |


الحلقة 09 | رحمتي سبقت غضبي |

قال صلى الله عليه وسلم : (إن اللهَ كَتَبَ كتاباً قَبلَ أن يخْلُقَ الخَلْقَ : إن رحمتي سَبَقَتْ غَضَبي ، فَهو مكتوبٌ عِندَهُ فَوْقَ العرش) [صحيح البخاري عن أبي هريرة].

فهذا من عظيم فضل الرحمن أن جعل رحمته لعباده ، مكتوبة عليه في كتاب شرفه لم يرضى له مكاناً إلا أن يكون عنده فوق عرشه . كتب سبحانه على نفسه الرحمة وجعلها أسبق من الغضب ، جعل الرحمة عهداً منه لعباده ، ومَن مِن الخلائق من لم يرحَمْه الله تعالى ولم تسعه رحمته ؟ سبحانه الرحمن بسط لنا من رحمته ؛ يرحم المؤمن وغير المؤمن ، يطعمنا يرزقنا يحفظنا ، يمن علينا بألوان النعم ليلاً ونهاراً ونحن لا نشعر .

(قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء) [سورة الأعراف : 156]. لم يقل سبحانه عذابي أصيب به كل شيء ، بل قال من أشاء ، ثم قال ورحمتي وسعت كل شيء . شملت رحمته جميع الخلق فلا يوجد مخلوقٌ إلا وقد وصلَت إليه رحمتُهُ وعمَهُ إحسانُهُ وغمرَهُ فضلُه .

وتتجلى سعة رحمة الرحمن مع عباده في حلمه قبل انتقامه وعفوه قبل عقوبته . يغفر الذنوب مهما بلغت . قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي . يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنانَ السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي . يا ابن آدم لو أتَيتَنيِ بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشْرِكْ بي شيئاً لأتيتُكَ بقُرَابِها مغفرة)
[حديث صحيح أخرجه الترمذي وصححه الألباني عن أنس بن مالك].