الجمعة، 22 مايو 2020

الحلقة 30 | عباد الرحمن |


الحلقة 30 | عباد الرحمن |

إن لله عبادٌ شرفهم بأن نسبهم إليه ، عبادٌ اصطفاهم وخصهم إليه من بين الخلق فأضافهم إليه إضافةً علت بها منزلتُهم وبماذا سماهم ؟ عباد الرحمن ، أضافهم لاسمه الرحمن فهم أهلٌ لرحمة الله . إنهم عبادٌ استنارت قلوبُهم بالإسلام فاستجابوا لله وانقادوا لنبيه واستمسكوا بأخلاق القرآن ، يؤدون ما أمر الله به ويجتنبون ما نهى عنه . فيا لها من منزلة أن يكون العبدُ من أولئك المُصْطَفَين . وإذا تأملنا ما أعد الرحمن لعباده لرجونا أن نكون كلنا منهم .

الرحمن يحفظ عباده من الشيطان الرجيم (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) الرحمن يلطف بهم (الله لطيف بعباده) الرحمن يكون قريباً منهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) الرحمن يغفر ذنوبهم ويرحمُهم (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) الرحمن يقبل توبتهم (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) الرحمن يؤمنُهم يوم الفزع الأكبر (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) الرحمن يدخلهم الجنة ويؤتيهم فيها نعيماً ليس مثله شيء (أعددت لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر) [متفق عليه].

الحلقة 29 | وعد الرحمن |


الحلقة 29 | وعد الرحمن |

وفد الرحمن وهل هناك أجمل من وفد ذاهب إلى الرحمن (يوم نحشرُ المتقينَ إلى الرحمنِ وفداً) فيفد المتقون مكرمون إلى الرحمن للفوز بعطاياه ، وهذا وعد الرحمن (يبشرُهُم ربُهُم برحمةٍ منهُ ورضوانٍ وجناتٍ لهمْ فيها نعيمٌ مقيم)
وما أن يدخلوا الجنة فيستقبلهم الملائكة بالتهنئة (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين)

خالدون في الجنة يتمتعون بالنعيم ويعيشون في جوار أرحم الراحمين (وأما الذين ابيضت وجوهُهُم ففي رحمةِ اللهِ هم فيها خالدون)

(إنه كان وعده مأتياً) وهنا يتحقق وعد الرحمن الذي وعده لعباده بالغيب وهم في الدنيا قبل أن يروها (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) الجنة التي أعدها الرحمن لعباده لهم فيها ما يشاءون ، لا تتمنى شيئاً في الجنة إلا حققه الله لك (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون)

قال صلى الله عليه وسلم : (إذا دَخَلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ يقولُ اللهُ تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزِيدُكُم ؟ فيقولون : ألم تُبَيضْ وُجُوهَنا ؟ ألم تُدْخِلنا الجنةَ وتُنَجِنا من النار ؟) وكان أعلى ما يتأملون أن يدخلوا الجنة ولم يتخيلوا وجود شيء أفضل من ذلك ولكن الرحمن أفضاله لا تنتهي . قال : فيَكْشِفُ الحجابَ فما أُعْطُوا شيئاً أحبَ إليهم من النظرِ إلى ربهم تبارك وتعالى) [صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي]. يا الله يا رحمن نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم .

الحلقة 28 | يتغمدني الله منه برحمة |


الحلقة 28 | يتغمدني الله منه برحمة |

إن الأصل في الجنة أن لا يدخلها العبد إلا بفضل الله ورحمته ، فرحمة الله هي الموصلة إلى الجنة وهي المنجية من النار . قال صلى الله عليه وسلم : (سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدْخِلَ الجنةَ أحداً عملُهُ)

فسددوا أي الزموا الاستقامة واطلبوا الصواب والسداد في أعمالكم ولا تفرطوا ،
وقاربوا ؛ أي لا تكلفوا أنفسكم فوق طاقتكم ،
ثم قال (وأبشروا) وهنا لم يذكر صلى الله عليه وسلم ما هي البِشارة بل أطلقها لتتناول كل فضل من الرحمن ،
ثم قال : (فإنه لن يُدْخِلَ الجنة أحداً عملُهُ) فتعجب الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة) [رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة]. ويتغمدني أي يسترني ويغمرني برحمة منه . فأبشروا برحمة الرحمن .

وهذا لا يعني أن العمل لا قيمة له ، فإن المسلمين إذا دخلوا الجنة برحمة أرحم الراحمين يكون التفاوت بينهم بحسب أعمالهم ، فالجنة درجات ومنازل ، والأعمال هي المؤهلة لهذه المنازل فعلى قدر أعمالهم يكون التفاوت بينهم .
(وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) [سورة الزخرف : 72].
على المسلم ألا يُعْجَب بعمله ويغتر به فيفقد رحمة الله به ، وألا ييئس من رحمة الله فيقلل العمل فيوجب عذاب الله عليه . بل يحسن العمل ويرجو رحمة الله . إن العمل لا يكون إلا بتوفيق من الله ، فالذي دلك على العمل ووفقك لأدائه والذي سيتقبله منك ويجزيك عليه الأجر هو الله وهذا كله من رحمته . يا رحمن تغمدنا برحمتك وفضلك .

الثلاثاء، 19 مايو 2020

الحلقة 27 | أرحم الراحمين |

من رحمة الله بعباده في يوم القيامة أن جعل الشفاعةَ لمن شاء من خلقه ، فعندما ينجي اللهُ المؤمنين من النار ويؤذنُ لهم بدخول الجنة ، فإنهم يناشدون اللهَ أن يخرجَ إخوانَهم من النار ويدخلوا معهم الجنة ، فيقولون : (ربنا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا) وكلمة (معنا) تظهر أثرَ الصحبةِ الصالحةِ في هذا اليوم .

فيرضى الرحمنُ بشفاعتهم فيقول : (اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم) . فيأتونهم فيعرفونهم من وجوههم ، فيخرجون منها بشراً كثيراً . ثم يقول الرحمن : (أخرجوا من كان في قلبه مثقالُ دينارٍ من الإيمان) فيخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقول : (ارجعوا ، فأخرجوا من كان في قلبه مثقالُ نِصْفِ دينار) فيخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقول : (أخرجوا من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان) فيخرجون خلقاً كثيراً ، فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير ، فيقول الرحمن : (شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء ، وشفع المؤمنون ، وبقي أرحمُ الراحمين) .

ترى ما هي الرحمة التي خبأها أرحمُ الراحمين ؟ فيقبض سبحانه قبضةً من النار ناساً لم يعملوا لله خيراً قط ، قد احترقوا حتى صاروا حِمماً ، فيلقى بهم في نهر بالجنة يقال له (ماءُ الحياة) ، فيَنْبُتُون فيَخْرُجُون كاللؤلؤِ وفي أعناقهم الخَاتَمُ (عتقاءُ الله) ، فيقال لهم : (ادخلوا الجنة ، فما تمنيتم ورأيتم من شيء فهو لكم ومثلُه معه) ، فيقول أهل الجنة : (هؤلاء عتقاءُ الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عَمِلُوه ولا خير قدمُوه) ، فيقولون : (ربنا أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين) وهذا ظنهم من عظيم ما أعطاهم الرحمن ، فيقول : (فإن لكم عندي أفضلَ منه) فيقولون : (ربَّنا ! وما أفضلُ من ذلك ؟) فيقول : (رضائِي عنكم ، فلا أسخطُ عليكم أبداً) [رواه البخاري ومسلم بنحوه]. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة .