في يوم من الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، فقال أبو جهل : من يأخذ سلا جزور فيضعه على ظهر محمد وهو ساجد .
فقام أشقاها عقبة بن أبي معيط ووضع النجاسات على كتف أشرف وأطهر الخلق .
فارتفعت ضحكات أولئك المجرمين والرسول ساجد لربه لا يحرك ساكناً .
فأقبلت فتاة صغيرة تجري كالبرق لم تتجاوز عشر سنوات ، فألقت بيديها الصغيرتين النجاسة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظفته وطيبته فرفع رأسه من السجود .
ثم اتجهت هذه الطفلة الشجاعة إلى أبي جهل وصناديد قريش ووقفت أمامهم وهي لا تهابهم وكأنها ملكة من ملوك الأرض .
ترى من هي هذه الطفلة الجريئة ؟
إنها فاطمة بنت محمد بن عبد الله رضي الله عنها . هي بنت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد .
إنها الابنة الحبيبة ، المواسية لأبيها ، أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثرهن شبهاً به .
عاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحداث الدعوة وشهدت المعاناة التي عاشها ، وصحبته من نعومة أظفارها إلى أن فارقها يوم التحق بالرفيق الأعلى .
زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة بالفارس علي بن أبي طالب ؛ حامل لوائه وناصره على أعدائه .
وبالرغم من أن فاطمة هي بنت سيد المرسلين ، إلا إنها لم تطمع في العيش الرغيد ، فقد كان جل مهرها درعاً حطمية كانت بحوزة علي بن أبي طالب .
ولم يجد صلى الله عليه وسلم ما يهدي ابنته يوم زواجها سوى كوب للشرب وجرتين للماء ووسادة حشوها من الليف .
وكانت فاطمة تقوم بأعمال البيت بنفسها ، فهي تطحن وتعجن خبزها بيديها مع إدارة كافة شؤون بيتها الأخرى .
ولم يكن علي يملك أن يستأجر لها خادمة لتساعدها ؛ فكان كلما عاد إلى بيته رأى فاطمة متعبة لكنها راضية .
وفي يوم رجع علي إلى البيت فأخبرها بأنه قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فذهبت إليه لكنها لم تجده .
ولما علم صلى الله عليه وسلم بأمرها ذهب إلى بيت علي ، فدخل عليهما وجلس بينهما ثم قال : (ألا أدلكما على ما هو خير مما سألتما ؟) .
(إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم)
[صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب].
هي أم الحسن والحسين ؛ سيدا شباب أهل الجنة .
وكان صلى الله عليه وسلم يحبهم ، وفي يوم دعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين ، فغطاهم بكساء ثم قال : (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) .
كان صلى الله عليه وسلم الأب الحنون يحب فاطمة ، وكلما دخلت عليه كان يقوم من مجلسه دائماً فيأخذ بيديها ويقبل رأسها ثم يجلسها في مكانه .
وكانت فاطمة الابنة البارة تقوم بالمثل فإذا دخل صلى الله عليه وسلم عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مكانها .
إلى أن جاء يوم وفاته صلى الله عليه وسلم فحاول أن يقوم إليها فلم يستطع .
وكانت تشاهد ألمه وتشعر بالمعاناة التي يشعر بها صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليها ثم أسر لها سراً وهو خبر وفاته فحزنت .
فلما رأى حزنها قال صلى الله عليه وسلم لها : (يا فاطمة أما ترضي أن تكوني أول من يتبعني من أهلي) ، فضحكت .
فكانت أسرع أهله لحاقاً به وتوفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق